تكوين وتركيب وخلق الانسان في القران والسنة
( ( آية
5/ سورة الحج )
الإنسان كما نراه في تكوينه وخلقه يتركب من : جسم
، نفس ، وروح . أما الجسم فهو عبارة عن الهيكل العظمي المكسو لحماً وشحماً كما
نراه بالعين المجردة ، ويمكن وصفه بهيكل أو قالب يقام لإنشاء بناء مطلوب ..... ومتى تم العمل أزيل الهيكل وبقى
البناء ويمكن أن نعتبره أزيل الهيكل وبقى البناء ، ويمكن أن نعتبره وعاءً نخرج منه
ونتركه جثة هامدة مظلمة ، وهذا ما يسمونه بالموت ،وبالرغم من دراسات الإنسان
الواسعة في وظائف الجسم وفيسيولوجية فإن كل هذه الدراسات هي مجموعات مجزأة ومتفرقة
من المعلومات والملاحظات لا يخرج منها الإنسان بوحدة بنائية تامة ولا يجمع شملها
خط فكري واحد ، فدراسة الإنسان المادية –
أقصد دراسة تركيبه ووظائفه واعضائه وأسباب الأمراض المختلفة التي تهدم هذا البناء –
أغفلت الجانب النفسي في هذا التركيب و الأسباب النفسية والتي تبين
أنها شريك أكبر مع الأسباب
الميكروبية الأخرى للأمراض .. وهكذا فإن دراسة الإنسان ككل كاملة قوية في جانب وضامرة ضعيفة في جانب آخر ، إن تركيب
الإنسان تشريحياً وفسيولوجياً يجعل المتأمل يسجد خشوعاً للخالق
المبدع فما بالك لو تأمل الجانب غير المنظور وهو الجانب النفسي المهيمن على كل هذا
التركيب المادي .. فتعالوا معي نتأمل ذلك
الإنسان معجزة الله الكبرى التي أبدع خلقها ، ولنبدأ بخلق الإنسان ، فهذه المسألة
بقدر ما استحقت البحث وبقدر ما وقع عليه العلم في هذه المسألة بدر ما استحقت البحث
وبقدر ما وقع عليه العلم في هذه المسألة الشيقة من بدائع وروائع نجد في كتاب الله
تبارك وتعالى – اهتماماً وتذكيراً مستمراً بها وحثًا للنظر فيها والتفكير بالعقل بعيداً عن الأهواء
.. وصدق الله العظيم إذ يقول(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ( 53 / فصلت) .
(هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورً) ( 1/ الإنسان )
يجب علينا أن نتذكر ونذكر أنفسنا دائماً بأن
وجودنا في هذه الحياة الدنيا إنما جاء نعمة من الله وفضلاَ منه عز وجل ، حتى أبانا
آدم عليه السلام نفسه خلقه الله ولم يكن من قبل شيئاً مذكوراً ، لأن هذا التراب
الذي خلق منه لم يكن شيئاً من قبل موجوداً .. والآية ترجح أن الأنسان قد خلق ولم
يكن من قبل أي شيء لأن كلمة ((مذكوراً ))
لا تعني التناهي في الصغر بل تعني نفي الوجود ، ولعل ما يؤيد هذا التفسير
قوله تعالى : ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً )(9/مريم ) . إن هذه الآية
الأولى في سورة الإنسان لم تأت بكلمة مذكوراً إلا من أجل أن تتجلى في عقول البشر
قدرة الله تعالى التي تتم بلا مسببات وتأتي بلا حدود ، فسبحانه الذي يقول للشيء كن
( فيكـون ) ، فلا غيره يملك تلك القدرة لأن كل موجود هو موجود بقدرته ، وهو وحده
المنفرد بالخلق دون غيره ، لهذا لم نر أنه
قد أعـطى من قبل أحداً من رسله القدرة على الخلق – إيجاد الشيء من العدم - بالرغم من إعطائه لبعضهم القدرة على الخلق –
إيجاد الشيء من العدم – بالرغم من إعطائه
لبعضهم القدرة على إحياء بعض الموتى بإذنه لبرهة ضئيلة من الزمن كي يقيم على
الإنسان الحجة .. والأن تعالوا معي نستعرض رحلة الإنسان من التراب إلى التراب ،
وما تنطوي عليها من أسرار وبما تحويه ايضاَ من الترتيب والتعقيد وبـما تشير إليه من سنن الكون التي لا تتبدل ولن
تجد لسنة الله تحويلاً ..
وقال تعالى عز وجل ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ) ( 20 / الروم
) ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ) " (12/المؤمنون ) . والذي
يلفت نظرنا أن بعض الآيات قد بينت أن آدم قد خلق من طين ، وفي أخرى ذكرت أنه قد
خلق من صلصال كالفخار كما ورد في سورة الرحمن ، وأخرى ذكرت أنه قد خلق من تراب كما
ورد في سورة الحج أيضاً ،والواقع أن كل هذه الآيات لا يتعارض فيها معنى ولا لفظ مع
آخر . فالإنسان خلق من تراب ابتدءاً ، ثم اختلط به الماء فكان طيناً ثم جف حتى أصبح
صلصالاً من فخار ثم من حمأ مسنون ، فحين يذكرنا ربنا الله بأن الإنسان قد خلق من
طين فإنما يريد بهذا أن نتخيل هذا التراب
الممزوج بالماء ، كذلك هذا الصلصال الذي يتمثل في ذلك الطين اليابس المتماسك الجاف
الذي لم يطبخ بعد ، كل ذلك من أجل ألا ننسى ومن أجل أن نتذكر كيف كنا وكيف أصبحنا
فلا نتكبر ولا نتجبر ، ويتكون الطين من التراب والماء كما ذكرنا ، ويتكون التراب
من عناصر تدخل _ نفسها _ في تركيب جسم الإنسان ولكن بنسب مختلفة ، وهذا يؤكد
التأصل بين الإنسان والتراب أو الصلة والنسب ،
ويقول التحليل الكيميائي : إننا لو أرجعنا أو حللنا الإنسان إلى عناصره
الأولية لوجدناه أشبه بمنجم صغير يشترك في تركيبه ( إثنان وعشرون عنصراً) تمً اكتشافها حتى الآن وتتوزع كالآتي :
- الكربون والهيدروجين والأكسجين تؤلف أساس المركبات العضوية من
سكريات ودسم وبروتينات وفيتامينات وهرمونات وأنزيمات .
- سبع مواد جافة هي : الكلور ، الكبريت ، الفوسفور ، الماغنسيوم ، الكالسيوم ، البوتاسيوم ، الصوديوم . وهي تؤلف 60-80 % من المواد الجافة .
- سبع مواد اخرى جافة نسبتها أقل وهي : الحديد ، النحاس ، اليود ، المنجنيز ، الكوبلت ، الزنك ، المولبيديوم .
إذاً الإنسان هو منجم
كبير لتلك العناصر ، سبحان الخالق المبدع لهذا الإعجاز العلمي البديع والبليغ ،
وبالرغم من أننا جميعاً مخلوقون من عناصر الأرض ، لكن لكل منا خلق مميز وتكوين
يختلف عن تكوين الآخر ، إن نسبة تلك العناصر ليست واحدة في الجسد وإن كانت العناصر
واحدة فكل واحد منا تجتمع فيه هذه العناصر
الموجودة في الأرض ولكن النسب تختلف بين كل واحد وآخر ، ولتقريب ذلك إلى الأذهان
فإننا نستطيع بألوان الطلاء أن ننتج درجات مختلفة من اللون لا عدد لها .. فإذا
أتينا باللون الأبيض مثلاً ووضعنا عليه بعض ذرات من اللون الأصفر لاختلف ، فإذا
زدنا الكمية لاختلف اللون ، فإذا جئنا باللون الأحمر ووضعنا عليه نقطة أو نقطتين
على الخليط لاختلف ، وذلك فإن ضبط الألوان عملية في منتهى الدقة لأن كل زيادة من
أي لو تعطينا لوناً جديداَ ، هذا بقدرة المخلوق ، فكيف بقدرة الله سبحانة وتعالى ( فاستفتهم أم
أشدُ خلقاَ أم من خلقنا . إنًا خلقناهم من طين لازب ) ( 11 / الصافات)
والطين اللازب هو
سلكيات الألمنيوم المائي وتدلان على عدد جزيئات
أكسيد السليكون والماء الداخلة في التركيب ، والطين الـلازب علمياَ هو صخر رسوبي
دقيق حبيباته به مقدار من المواد الغروية والمواد الطينية والتي تلتحم ببعضها
وبالماء على هيئة سبيكة أو عجينة طينية (( ولازب )) فريدة في القرآن صيغة
ومادة ، ولازب معناها ملتصق وفسرتها مفردات الراغب بالشديد الثبوت ومعنى اللصوق
قريباً مع ما وردت به الآية ، بعد ذلك تعالوا لنرى كيف يتم عرس الحياة ؟! . إذا
كانت أعراسنا الاجتماعية لا تخلو من شيء من الفوضى أو التناقضات ، وإذا كانت
احتفالاتنا لا تخلو من نقص في الترتيب أو خطاءً في اختيار الوقت المناسب لها فلا
يحدث شيء من هذاني في عرس الحياة الذي يحفظ النسل.
في مطلع الشهر وبأمر
من ملكة الغدد الصماء أو ( مايسترو ) الجسم وهو الفص الأمامي للغدة النخامية وهي
طبعاً لا تصدر أوامرها إلا تحت إشراف القيادة العليا للجسم وهو القشرة المخية ( cortex ) .
تبدأ قنيات المبيض (
البويضات البدائية ) بالاستعـداد لتكون عروس الشهر فتكبر في الحجم بشكل ملحوظ
وتتكاثر الخلايا المحيطة بها وتفرز هرموناً معينا هو الأستروجين ( estrogen )
جزء منه يتبقى داخل البويضة والجزء الآخر يمتص ويحمله الدم لبقية أجزاء الجهاز
التناسلي وخاصة المهبل والرحم والبوقين فيحدث فيها تغيرات استعداداً لليوم الموعود
فتنمو غدد الغشاء المخاطي المبطن لهذه الأجزاء وتزداد عناصره الخلوية وتحتقن
أوعيته الدموية فتزداد سماكة هذا الغشـاء لنحو 5-4 أضعاف حتى إذا حصلت الإباضة في اليوم الرابع عشر من الشهر كان هذا
الجهاز على أتمً استعداد لاستقبال وفد العروس ، يفرز بعد ذلك عنق الرحم سائلاً
شفافاً لزجاً قلوياً ، يستمر إفرازه ليومين فقط وفادته هو جذب النطاق وتزويدها
بمقدرة على اجتياز الرحم والبوق بشكل جيد
في سباقها المثير للفوز بالعروس من المبيض في أبها صورها ، فقد كبرت في الحجم نحو 6-5 مرات ومحاطة بتاج شعاعي أشبه بتاج العروس وتكون
قد انقسمت بنوعين من الانقسام الخيطي والمنصف والمنصف يختزل فيه العدد الصيغي للبويضة إلى
النصف أي من 44 + XX إلى 22 + X ، (( X )) وهو الصيغ الجنسي ،
ونحب أن نشـير إلى نقطيتـــين هامتين .. الأولى :ـ وهي أن نطاف الرجل تحمل واحداً
من نوعين من الصبغيات الجنسية إما (( (( X أو (( y)) ، فتكون 22+× أو 22+y ولكن بويضة الانثى تحوى نوعاً واحداً من الصبغيات الجنسية هو (( X)) وإذا تم اتحاد نطفة تحوى (( (( yمع بويضة ((x)) فيصبح الجنين حاوياً xy أي ذكر ، وهنا الذي يجدد نوع الجنين هو الحيوان المنوي للرجل
(النطاف) وليست البويضة ، وهذا ما ذكره
القرآن من أربعة عشر قرناً حين قال تعالى : ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من
نطفة إذا تمنى ) (45-46 / النجم ) ؛
وعليه فليست المرآة إلا كالأرض يزرع بها وصدق المولى حين قال ( نساؤكم حرث لكم ) ( 233/البقرة) . وحينما نتدبر قوله جل جلاله ( وأنه خلق
الزوجين الذكر والأنثى . من نطفة إذا تمنى ) . نجد أن لفظ (( منى )) جاء ليعبر عن
بداية التخليق الذي يتم من واحد من هذه الحيوانات المنوية الكثيرة ، وليست كنتيجة
لاختراق الكل لتلك البويضة – بمعنى عدم اندماج جميع جزيئات السائل المنوي بما
احتوى داخل هذه البويضة – فالنطفة التي جاء ذكرها في الآية الكريمة هي ذلك الحيوان
المنوي الذي أخصب البويضة ( ألم يك نطفة من منى يمنى ) ( 37 / القيامة) .
الانتقال الى علم الاجنة في القران والسنة الجزء الثاني ←