القائمة الرئيسية

الصفحات

علم الاجنة الجزء الثاني

 سلالة آدم 

 



لقد تكاثرت سلالة آدم عليه السلام بقذفة بعد أخرى في رحم حواء ، تلك القذفة التي تسميها (السائل المنوي ) التي تسبح فيه ملايين الملايين من تلك الحيوانات المنوية ؛ والذي يجب أن تتذكره هنا أن مبيض كل انثى يحتويان على أكثر من ربع مليون بويضة غير ناضجة واحدة كل شهر منهما بالتناوب فيما بينهما ، وبعد أن يخترق تلك البويضة ذلك الحيوان المنوي الذي يكون قد أتى إليها في عكس اتجاهها ، نراها تنساب بعد ذلك في (قناة فالوب ) وكأنها في ليلة عرسها بعد تخصيبها تمشي الهويني متدحرجة نحو عشها إلى أحد كهوفها لتستريح في ذلك الرحم الذي تستلقي فيه بثقلها وكأنها إمراه حامل في شهرها التاسع  ، ثم بعد ذلك تتعلق به حتى لا تسقط  وتتمسك أكثر به كلما كبرت وزاد حجمها .
( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثمَ خلقنا النطفة علقة . فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً . فكسونا العظام لحماً  ثم أنشئناه خلقاً آخر . فتبارك الله أحسن الخالقين ) ( 12-14 / المؤمنون )
بالرغم من أن علم الأجنة يعتبر من العلوم الحديثة فإنه لم يصل إلى حقائق تكوين وتصوير أشكال الأجنة المختلفة في مراحلها المختلفة إلا بعد أن اكتشف المجاهر و الأشعة حيث عرف التشريح المقارن معرفة تامة وحيث وصل العلم إلى الحقائق التي تقررها الآية الكريمة ، خلقناكم من عناصر التربة المختلفة ، ثم جعلناكم نطفة في قرار مكين .. إذن ما هو القرار المكين ؟ :  هو رحم المرأة الذي جعله  الله سبحانه  و تعالى مقراً للنطفة التي ستنمو فيه . وإن رحم المرآة محروس حراسة تامة شديدة .
 

الرحم أقوى عضلة 

لذلك فإن احتمال اصابته ضعيف حتى ولو أصيبت المرآة في حادث فإن الرحم لا يصاب ما دام الحمل قبل الشهر الثالث والواقع أن الرحم يعتبر أكبر وأقوى عضلة يحتويها جسم المرآة ، وهي بالمقارنة أشد وأكفا من عضلات الملاكم ، وليس أدل على ذلك من أن انقباض الرحم عند فترة الوضع يؤدي إلى ضغط على جدرانه يتراوح ما بين 11-12 كجم
(( لاحظ أن سمكه هنا لا يتجاوز 5 ملليمترات )) . وتتكرر هذه الانقباضات كل 10-15 دقيقة ولأيام  قد تطول ، ثم إن هناك عضلات تمسك بالرحم من ان ينسلق ، ثم ان هناك أربطة تمسك بالرحم من كل جهة ، وهنا أيضاً كمية من الدهون والألياف كذلك تمسك بالرحم ، وكما أن الرحم يزداد زيادة كبيرة حجماً ووزناً  في نهاية الحمل ، وما يحمله الرحم من الأغشية السائل ، وكذلك الجنين ، ومع ذلك يحتفظ الرحم بكل تلك الأربطة ويبقى قراراً مكيناَ كما وصفه الله سبحانه و تعالى ثم تعالوا نتعرض لأطوار التخلق الإنساني وتشير الآية إلى أهم هذه الأطوار :

(1) المرحلة الأولى : وهي من النطفة إلى العلقة تبدأ بتلقيح البويضة كما ذكرنا ثم تنقسم البويضة وهي في طريقها إلى الرحم الى اثنتين فأربع فثمان ، وهكذا دون زيادة في الحجم ، بعد ذلك تدفع أهداب البوق البويضة مع حركات البوق التقلصية المنتظمة حتى تصل البويضة المنقسمة إلى الرحم ويطلق عليها التوتة فهي تشبه ثمرت التوت والتي تبدأ خلاياها الخارجية في أخذ وظيفة التعشيش فتغرس أذرعاً تخترق بها مخاطية الرحم وتستمر عملية العلوق (24 ساعة ) والناظر إلى هذه العلقة يراها ينطبق عليها فعلاً التصوير القرآني الرائع .

(2) بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية وهي تحول العلقة إلى مضغة "فخلقنا المضغة عظاماً " وتتم في الأسبوع الثالث بتكوين اللوحة المضغة ( Embryo – blast) وتميزها إلى وريقات ثلاث خارجية   ( Extoderm) ووسطى  ( Mesodezm ) وداخلية ( Endoderm)) وحتى نهاية الأسبوع الرابع لا يكون هناك أي تمايز لأي عضو أو جهاز وممكن أن نسمى هذه المضغة بالمضغة غير المخلقة ، ثم تبدأ في الأسبوع الخامس عملية  (التخلق ) كما أسماها القرآن وفيها تتميز هذه الوريقات إلى الأجهزة والأعضاء المختلفة للجسم و تنتهي عملية التخلق في الشهر الثالث تقريباً يكون الجنين عندها طوله 10سم  ووزنة 55 جرام وتسمى هذه المرحلة بالمضغة المخلقة ، وهكذا يتضح إعجاز المبدع العظيم في قوله : ( ثم من علقة ثم من مضغةٍ مخلقةٍ وغير مخلقة )  ( 5/ الحج ) ، وهنا لغز محير ما زال يحير العلماء ويتجلى في إعجاز الله سبحانه وتعالى كيف تتميز اللوحة المضغية التي تكلمنا عنها إلى ورقيات مختلفة تماماً في تركيبها الخلوى مع أن هذه اللوحة  كل خلاياها متماثلة ؟! وكيف يمكن للخلايا المتماثلة في كل وريقة على حدة تكوين الاجهزة المختلفة في بناءها ووظائفها وخصائصها ؟ ! فالوريقة الخارجية مثلاً يتكون منها الدماغ والأعصاب و الجلد ولواحقه من الغدد و الأشعار والأغشية المخاطية المبطنة للأنف والفم ، والوريقة المتوسطة يتكون منها القلب والأوعية الدموية ، والدم والعظام والعضلات والكليتان ولون الجلد وقسم من الغدد الصماء ، أما الوريقة الداخلية فتتكون منها مخاطية الجهاز التنفسي والطريق الهضمي والغدد الدرقية والبنكرياس والكبد وهكذا ، يوم يصل الإنسان لحل هذا اللغز سيوقن بآيات الله القائل : ( هو الله الخالق البارئ المصور )  (( 24 / الحشر )) ، وفي سورة المؤمنون لم يتعرض الخالق فقط لبدء تكوين العظام وكسائها باللحم (العضلات ) ومن يدرس العلاقة هذه تشريحياً يجد فعلاَ علاقة الكساء بين العضلات و العظام فهي ملفوفة ومكسوة بالعضلات بنفس هذا المعنى اللفظي ، لم تقتصر الآية على ذلك فقط ولكن ذكرت عملية التمايز والتخلق التي تبدأ من المضغة كما أوضحنا فيقول : (( فخلقنا المضغة عضاماً فكسونا العضام لحما )) بعد ذلك تاتي مرحلة اخرى  وهو الانشاء فيقول الله عز وجل (( ثم أنشأناه خلقا آخر )) .وتبدا بعد الشهر الثالث وابتداء الشهر الرابع  وقبل ذلك في المولدات ، أما نبض القلب فيبدأ بعد بداية الرابع ويمكن سماعه في الشهر الخامس ، وهذا يتطابق تماماَ مع ما بينه القرآن منذ 14 قرنا حين قال : ( والذين يتوفون منكم ويدرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشراً ). (( 234 / البقرة ))

الاعجاز الظاهر

والاعجاز في هذه الآية ظاهر بلا شك حيث حددت – بالضبط – المدة التي يصبح عندها أو ابتداءاً منها تشخيص الحمل ، وهذا حتى لا تنسب المرأة حملاً حملته سفاحاً لزوجها المتوفًي؛ وإذا ما نظرنا وتدبرنا الآيتين 14،13 من سورة المؤمنون ثم اجتهدنا في تفسير مجيء لفظ (( ثمً )) وحرف (( الفاء )) محاولين الوصول ما استطعنا إلى تلك الحكمة التي جاء من اجلها حرف الفاء مكرراً في كل مرحلة من مراحل التخليق ابتداءاً من النطفة في الرحم وحتى اكتـساء العظم باللحم ، نقول : لقد جاء حرف (( الفاء )) بين كل مرحلتين في سرعة وتتابع من أجل ربط تلك المراحل وفصل كل منهما في نفس الوقت ، كذلك جاء في حرف (( الفاء ))لأنه أشد تماسكاً وأسرع زمناً واسمع وقعاً وأوقع سمعاً ، لقد آتى في نبرات عاجلة متلاحقة ، أما لفظ (( ثمً )) في هاتين الآيتين فقد جاء ليفصل بين فترات زمنية طويلة مشيراً إلى نهاية وبداية مراحل خلق مستقلة ، سواء كانت متمثلة في زمان خلق آدم أو كانت في بطن حواء .

دقة .... وبـراعـــــــــة 

بعد ذلك يجيء البعد الإنساني أو الروح وهو البعد الذي حصل من الطين بشراً سويياً تسجد له الملائكة قال تعالى : إذ قال ربًك للملائكة إني خالق بشراً من طين  فإذا سوُيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )  (( 71-72 / ص ))
وحدثنا رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم  - وهو الصادق المصدوق : (( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ( أي في  مثل هذه المدة ) ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات ( يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ) ، ولفظ هذا الحديث مرة أخرى : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( إنً احدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ))   ((  أخرجه الشيخان )) . قال أبن القيم (( فإن قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركـة وإحساس أم لا ؟ قيل كان فيه حركة النموالاغتذاء كالنبـات ، ولم تكن حركة نمـوه واغتذائـه بالإرادة .. فلما نفخت انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه )) . والغريب حقاً أن الإمام ابن القيم قد جعل العلامة المميزة لنفخ الـروح هي بداية الحركات الارادية بينما حركة النمو والاغتذاء لم يعتبرها هذا الإمام إلا حياة نباتية .. ولا شك أنه قد سبق عصره في ذلك بل سبق الأطباء والعلماء في العصر الحديث إذ أن ما قاله ابن القيم يعتبر أدق مفهوم في تعريف الحياة الإنسانية التي فرًق بينها وبين الحياة النباتية ( Vegetative life   ) حيث قال : (( فإن قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس ام لا ؟ قيل كان فيه حركـة النمو والاغتذاء كالنبات . ولم تكن حركـة نموه واغتذائه بالإرادة )) .. إلخ ؛ وهذا تعريف دقيق بارع مبني على معرفة واسعة بعلوم التشريح والطب حيث نرى ابن القيم يرجع بداية الروح إلى ظهور الحركات الإدارية ووجود الإحساس وذلك مبني على وجود الجهاز العصبي المركزي والطرفي ؛ وربما كان هذا المفهوم أدق مفهوم لمعرفة نهاية الحياة حيث نرى التقدم الطبي يبقى أشخاصاً تحت وسائل الإنعاش الصناعية بحيث يتنفس الشخص وينبض قلبه صناعياً بينما خلايا الدماغ قد ماتت ، ولهذا ظهر في الطب تعريف موت الدماغ باعتباره نهاية الحياة ولاشك أن تعريف ابن القيم الذي ذكرناه بارع كل البراعة وقد سبق الطب الحديث بسبعة قرون على الأقل .

بعد ذلك تعالـوا معي نستعرض بعض معجزات الله في تكوين الجسم البشري واعضائه قال تعالى ( إنً الًسًمع و البًصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) ( 36/الإسراء ) . 

ويقول تعالى : } إنًا خلقنًا الإنًسـان من نطفة أمشاجٌ نبتليـه فجعلنـاه سميعاً بصيراً {   ( 2/ الإنسان ) .

ويقول تعالى : } وهو الذي أنشأ لكم السًمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون { ( 78 / المؤمنون ) .


النظر والجنــــــــين 


حقاً لقد كان مؤتمر المكسيك الدولـي لأمراض النسـاء مؤتمراً عاماً لصفوة علماء الطب في هذا العصر حيث ضم خمسة آلاف خبير متخصص ، جاءوا من مائة دولة ليعرضوا ألف بحث خلال الاسبوع الثاني من شهر نوفمبر عام 1976م لقد كان اعضاء وفد اليابان على حق حينما أثبتوا في أبحاثهم ان الجنين لا يرى بعد أن يولد بالرغم من أنه يبدأ في السمع وهو في بطن أمه ، إن ما توصل إليه هؤلاء العلماء يستطيع أن يتأكد منه كل واحد منا حيثما نحرك شيئاً أمام عيني طفل حديث الولادة ، إنك ترى ان هذا المولود لا يحرك قرنيته مهما كان تحريك لهذا المؤثر مستمراً أو شديداً أو قريباً من حدقيته ، إنه حقاً إعجاز عظيم أن جاءت الآيات التي تذكر السمع والبصر متقدماً فيها دائماً السمع قبل البصر متمشياً مع الواقع الملموس الذي لا يتغير ، وفي الحقيقة فإن تعلم النـطق يتم عن طريق السمع بالدرجة الأولى ، وإذا ولد الجنين أصم يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي أو التفاهم معه ويحدث لديه قصر عقلي شديد ، ولكن الـذين حرموا نعمة البصر حتى وهم صغار يتعلمون ويبلغون درجة راقية من الفهم والإدراك وقال الحق :  } وهو الذي أنشأ لكم السًمع والأبصار{ والأبصار جمع بصر فلماذا جمع الله سبحانه وتعالى مع أن الإنسان عنده بصر واحد ؟! إن كلمة أبصار أدق تعبير ينطبق علـيه تركيب شبكية العين ، فلو فهمنا ببساطة كيف ترى العـين لـعرفنـا ان الصـانع الأعظم قد اختـار هذا التعبير بمنتهى الدقة ، فالعـين عندما يسقط عليها شعاع ضوئي يخترق الأوساط الشفـافة الاولى من القـرنية والسائل الموجود بالعين على الشبكية وفيها العناصر الحسـاسة للضوء حيث تتأثر وينتقل هذا التأثير بشكل سيالة عصبية عبر ألياف العصب البصري إلى الفص القوي وفيه مركز الرؤيا العام في المخ ، وهو ما عرف بفصً المـخ ، والشبكية في العين تتكون من 7 طبقات ، ثاني طبقة منها هي الطبقة التي تستقبل الضوء، وهي تتركب من عصًبات ومخاريط والعصيات – وعددها 30 مليون في العـين الـواحدة –مختص بالإحساس بالضوء الضعيف والضوء العادي ، أما المخاريط – وهي سبعة ملايين مخروط في العين الواحدة – فتختص برؤية الضـوء الشديد وتمييز الألوان ، فعندما يدخل الفرد منًا للظلام بعد الضوء لا يرى شيئاً ثم يبدأ في تمييز الأشياء شيئاً فشيئاً ،وذلك لأنه عندما دخل في الظلام تبدأ المخاريط عملها حتى تصل قوة العين إلى 50 ضعفاً ن ولكن المختص الأكـبر بالضـوء الضعيف وهو العصيًـات تبدأ عملها حتى إنه ما إن تنقضي فترة 45 دقيقة حتى تصبح قرة العين 500ضعف ، ويقوم فيتامين (أ) هنا بدور فعال فكما هو واضح أن هذه العصًيات والمخاريط هي في حد ذاتها أبصار داخل العين ينتقل من كل واحدة عن طريق عصبية تنتقل تلك الإشارات إلى مركـز الإبصارفي المخ عن طريق حبال العصب البصري .